تجريم هدر الطعام- نحو مجتمع واعٍ ومستدام وغذاء للجميع.
المؤلف: بشرى فيصل السباعي11.20.2025

مع تزايد انتشار المقاطع المؤلمة التي تُظهر كميات هائلة من الأطعمة السليمة وهي تُلقى في مكبات النفايات من قبل المطاعم والمتاجر الكبرى وغيرها، يتضح أن مجرد التنديد والشجب لا يكفي لوقف هذا الإسراف. لذلك، بادرت فرنسا بسن قانون يلزم المتاجر الكبرى والمؤسسات المماثلة بالتبرع بالأطعمة غير المباعة للمؤسسات الخيرية، أو إذا كانت غير صالحة للاستهلاك البشري، فيجب التبرع بها للحيوانات. وتصل عقوبة المخالفين الذين يقومون برمي الطعام في القمامة إلى السجن لمدة عامين وغرامة مالية قدرها 75 ألف يورو.
إن تطبيق تشريع مماثل في بلادنا من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية في مستوى معيشة الأسر ذات الدخل المحدود، حيث أن الجزء الأكبر من دخلهم يُنفق على توفير الغذاء. فإذا توفر لهم الغذاء بالمجان وبشكل مستمر، فإن ذلك سيوفر لهم جزءاً كبيراً من دخلهم لتلبية الاحتياجات الأخرى. علاوة على ذلك، يمثل هذا التشريع أسلوباً فعالاً لإعادة تدوير الطعام بدلاً من تحويله إلى نفايات، مما يقلل التكاليف الباهظة للتخلص منها ويحد من التلوث البيئي الناتج عنها.
جدير بالذكر أن الحد من الهدر الغذائي هو أحد الأهداف الرئيسية للمركز الوطني لإدارة النفايات. وفي المملكة العربية السعودية، توجد مبادرات قيمة مثل بنك الطعام وجمعيات حفظ النعمة التي تعمل على إعادة توزيع فائض الغذاء، بالإضافة إلى التطبيقات الذكية التي تسهل هذه العملية. ومع ذلك، يظل دور هذه الجمعيات محدوداً نسبياً ولا يغطي الاحتياجات الغذائية للمحتاجين بشكل كامل ومنتظم، وذلك لعدم وجود قانون مُلزم.
كما يجب أيضاً إلزام الجهات المعنية بتوزيع الأطعمة غير الصالحة للاستهلاك البشري على مربي الماشية من ذوي الدخل المحدود لاستخدامها كغذاء للحيوانات، اقتداءً بالنهج الفرنسي. ففي ديننا الحنيف، ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال: في كل كبد رطبة أجر».
من المؤسف أن معدل الهدر الغذائي في المملكة العربية السعودية يعتبر من بين الأعلى عالمياً، حيث يبلغ حوالي 33%، وتبلغ تكلفته ما يقارب 40 مليار ريال سنوياً. لذا، فإن تجريم رمي الطعام الصالح للاستهلاك سيساهم في تغيير ثقافة المجتمع ككل ونشر الوعي بأهمية بنك الطعام والجمعيات الخيرية المتخصصة في إعادة توزيع الطعام، مما سيشجع الأفراد على التبرع بالطعام الزائد في المناسبات وغيرها بدلاً من إلقائه في القمامة.
إن الحاجة ماسة لتنظيم حملات توعية إعلامية وصحفية وإعلانية مكثفة للتعريف بوجود ودور هذه الجمعيات وتشجيع المجتمع على دعمها؛ إذ أن غالبية الناس يجهلون وجودها بسبب ضعف التغطية الإعلامية لأنشطتها. كما يجب على خطباء الجمعة التوعية بأهمية حفظ النعمة وتحريم إهدارها ورميها في القمامة، وحث المصلين على التبرع بها للجمعيات المختصة.
هناك فكرة مبتكرة انتشرت بين الناس، وهي تخصيص ثلاجة في الحي يضع فيها السكان زوائد طعامهم اليومي ليستفيد منها المحتاجون. سيكون من الرائع أن يتعاون أهالي كل مسجد على شراء ثلاجة في حيهم لتطبيق هذه المبادرة. ومما يثير الأسف حقاً ويُظهر مدى تدني الوعي الأخلاقي بأهمية حفظ النعمة، هو رؤية أطباق الطعام الفاخرة التي لم تُمس في حاويات القمامة أمام المساجد خلال شهر رمضان المبارك. هذه هي الأطعمة التي تبرع بها أهل الحي لإفطار الصائمين في المسجد، لكن غالبها لم يُستهلك. كان من المتوقع أن يكون القائمون على المساجد هم الأكثر حرصاً على عدم إهدار النعم وامتهانها برميها في القمامة، لكن هذا يُظهر مدى تفشي التعود على عدم احترام قيمة النعمة. (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ). بشكل عام، ينتج العالم كميات كافية من الطعام لإطعام جميع سكان الأرض، ومع ذلك، لا يزال هناك من يبيت جائعاً ومن يموت جوعاً بسبب عدم إعادة توزيع الغذاء الفائض وغير المباع، ويعزى ذلك إلى عدم وجود قوانين ملزمة. ومن الواضح أن استنهاض الحس الإنساني والديني وحده لا يكفي لمعالجة هذه المشكلة المستعصية.
